يقول د. محمود أبوالعزم:
"في زمنٍ أصبح فيه المجتمع والطبيب شِبهَ أعداء، بل أصبحت الوزارة نفسها عدوًّا للطبيب الحال... أذكر في رحلتي إلى ألمانيا، حيث تكررت جملة "ابحث عن الطبيب المصري فهو أكفأ من أي جنسية أخرى"، هكذا!!! ببساطة!! شعرت بالفخر، ولكنني أسأل: أين الخلل في هجرة هذه العقول؟ لكنها وسيلة لدخول العملة الصعبة، أيًا كان. أكتب هذا وأنا الحاصل على جائزة الطبيب المثالي على مستوى الجمهورية مرتين، ولكني أعذر من يمهد طريقه للخروج من هذه المنظومة الفاسدة؛ فلا يبقى إلا الأطباء الصغار عمرًا والحيتان الكبار، وهنا كما يقولون: مربط الفرس. فأهلك المرضى لا يرون إلا عيادةٍ مزدحمة، يحاولون ضرب عدد الحالات في ثمن الكشف، فيكتشفون أنه يعود إلى أولاده، وفي جيبه الكثير من الآلاف... ولا يعلمون أنه لا يرى أولاده من الأساس؛ هو ماكينة صرف آلي ليس أكثر. لقد دفع هو الآخر ثمنًا كبيرًا كي يأتي الصباح ليُفرغ طاقته السلبية في من هو أصغر، ثم يُفرغ الأصغر في الأصغار، حتى تأتي إلى الطبيب الجديد فتملؤهُ طاقةً سلبية، ثم تتركه في وجه المدفع وحده بلا تعليم كافٍ ولا أمنٍ يغطيه. بل يفكر طوال الوقت في علاج أفراد الأمن من سوء التغذية والهزال، فتأتي الناس تضرب الباب بعنف قائلةً: "فين الدكتور ابن الـ **** اللي هنا؟" هكذا قبل أن يفعل خيرًا أو شرًّا، يأتي السباب لأبيه وأمه اللذين قضيا أعمارهم كفاحًا كي يقولوا: "ابننا الدكتور ذهب، ابننا الطبيب جاء"، والناس لا يعلمون غير أنهم يحملون كائنًا مريضًا، أو في معظم الأوقات مُتمارضًا، لكائن آخر لم ينم منذ ثلاثة أيام ولم يأكل جيدًا، غير لقيماتٍ يُقمن صلبه في منظومة أطلق عليها منظومة الثلاث؛ الثلاثة في المئة من الميزانية العامة!! بأي منطق لا أدري!!
ومنظومة الثلاث: "الجهل والفقر والمرض" التي أتت بالمريض وبحارس الأمن وبالطبيب نفسه، الذي تنتظر أسرته أن ينتشلها من هذا كله، ولا تعلم أنه سيغامر لكسب المال بالعيادة حين يصل إلى مشارف الأربعين...
إن جوهر الموضوع يقع هنا... في المقارنة بين طبيبٍ خمسيني يجني ثمار عمره الذي أهدره، وطبيب ثلاثيني يكافح هنا وهناك ولا يملك قوت يومه إلا يومًا بيوم، ويضطره الوضع اضطرارًا آدميًا، على الأقل أن يبحث عن مخرج.
عذرًا إن كان هذا جوابي على سؤالك الصباحي، فحادثة زميلي تملأ عيني وتشغل بالي عن هذا الإنجاز البسيط، وقد فعلنا وفعلنا لأرملةٍ تُربي أربع أيتام، انحنى ظهرها في خدمة البيوت ومسح السلالم... ولكنني أُثمن دور د. حسام مبروك الذي لم أكن أعرفه، ولا تزال السيدة في حاجة إلى كثيرٍ من الوقت كي تتعافى... ولكنني أردت أن أرفع لافتةً للمسئولين تقول: "أستطيع أن أحارب، ولكن لا تتركني أعزل".